الخميس، 21 مارس 2013

بحت بسيط في تفاسير حول معنى متوفيك بخصوص المسيح عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم

تفسير القرطبي

هدا بحت  بسيط حول معنى متوفيك في القران الكريم حول المسيح عليه السلام
 
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)

" اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ" [البقرة: 15] «1»،" وَهُوَ خادِعُهُمْ
" [النساء: 142] «2». وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ. وَأَصْلُ الْمَكْرِ فِي اللُّغَةِ الِاحْتِيَالُ وَالْخِدَاعُ. وَالْمَكْرُ: خَدَالَةُ «3» السَّاقِ. وَامْرَأَةٌ مَمْكُورَةُ السَّاقَيْنِ. وَالْمَكْرُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ. وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ الْمَغْرَةُ، حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ. وَقِيلَ:" مَكَرَ اللَّهُ" إِلْقَاءُ شَبَهِ عِيسَى عَلَى غَيْرِهِ وَرَفْعُ عِيسَى إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ عِيسَى دَخَلَ الْبَيْتَ هَارِبًا مِنْهُمْ فَرَفَعَهُ جِبْرِيلُ مِنَ الْكُوَّةِ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ مَلِكُهُمْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ خَبِيثٍ يُقَالُ لَهُ يَهُوذَا: ادْخُلْ عَلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، فَدَخَلَ الْخَوْخَةَ فَلَمْ يَجِدْ هُنَاكَ عِيسَى وَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شَبَهَ عِيسَى، فَلَمَّا خَرَجَ رَأَوْهُ عَلَى شَبَهِ عِيسَى فَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ وَصَلَبُوهُ. ثُمَّ قَالُوا: وَجْهُهُ يُشْبِهُ وَجْهَ عِيسَى، وَبَدَنُهُ يُشْبِهُ بَدَنَ صَاحِبِنَا، فَإِنْ كَانَ هَذَا صَاحِبَنَا فَأَيْنَ عِيسَى! وَإِنْ كَانَ هَذَا عِيسَى فَأَيْنَ صَاحِبُنَا! فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ". وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا عَلَى مَا يَأْتِي. (وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ مَكَرَ يَمْكُرُ مَكْرًا. وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقُولُ إِذَا دَعَا بِهِ: يَا خَيْرَ الْمَاكِرِينَ امْكُرْ لِي. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: (اللَّهُمَّ امْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ). وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكِتَابِ الْأَسْنَى فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى. والله أعلم.

[سورة آل عمران (3): آية 55]
إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)
قَوْلُهُ تَعَالَى (إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) الْعَامِلُ فِي" إِذْ" مَكَرُوا، أَوْ فِعْلٌ مُضْمَرٌ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعَانِي مِنْهُمُ الضَّحَّاكُ وَالْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ" عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ الرُّتْبَةَ. وَالْمَعْنَى: إِنَى رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ أَنْ تَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ، كقوله:" وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى" [طه: 129] «4»، وَالتَّقْدِيرُ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لكان لزاما. قال الشاعر:
__________
(1). راجع ج 1 ص 201.
(2). راجع ج 5 ص 421.
(3). في اللسان: حسن خدالة الساقين أي امتلئوها واستدارتها.
(4). راجع ج 11 ص 260.

وَهُوَ خَبَرُ إِنَّ." وَرافِعُكَ" عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا" مُطَهِّرُكَ" وَكَذَا" وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ". وَيَجُوزُ" وَجاعِلُ «1» الَّذِينَ" وَهُوَ الْأَصْلُ. وَقِيلَ: إِنَّ الْوَقْفَ التَّامَّ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا". قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ." وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ" يَا مُحَمَّدُ" فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا" أَيْ بِالْحُجَّةِ وَإِقَامَةِ الْبُرْهَانِ. وَقِيلَ بِالْعِزِّ وَالْغَلَبَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ ومحمد ابن أبان: المراد الحواريون. والله تعالى أعلم.

[سورة المائدة (5): آية 116]
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ). اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَقَالَ قَتَادَةُ وابن جريج وأكثر المفسرين: إنما يقال لَهُ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَقُطْرُبُ. قَالَ لَهُ ذَلِكَ حِينَ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ النَّصَارَى فِيهِ مَا قَالَتْ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ:" إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ"] المائدة: 118] فَإِنَّ" إِذْ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِمَا مَضَى. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ قوله:" يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ"] المائدة: 109] الآية
__________
(1). في حاشية الجمل عن القرطبي: والمائدة ما مد وبسط من الثياب والمناديل. إلخ.
(2). عن ك.

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)

مَرْبُوبٌ وَلَسْتُ بِرَبٍّ وَعَابِدٌ وَلَسْتُ بِمَعْبُودٍ. ثُمَّ قَالَ:" إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ" فَرَدَّ ذَلِكَ إِلَى عِلْمِهِ وَقَدْ كَانَ اللَّهُ عَالِمًا بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ وَلَكِنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ تَقْرِيعًا لِمَنِ اتَّخَذَ عِيسَى إِلَهًا. ثُمَّ قَالَ: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) أَيْ تَعْلَمُ مَا فِي غَيْبِي وَلَا أَعْلَمَ مَا فِي غَيْبِكَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى تَعْلَمُ مَا أَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمَ مَا تَعْلَمُ وَقِيلَ: تَعْلَمُ مَا أُخْفِيهِ وَلَا أَعْلَمُ مَا تُخْفِيهِ. وَقِيلَ: تَعْلَمُ مَا أُرِيدُ وَلَا أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ وَقِيلَ: تَعْلَمُ سِرِّي وَلَا أَعْلَمُ سِرَّكَ لِأَنَّ السِّرَّ مَوْضِعُهُ النَّفْسُ. وَقِيلَ: تَعْلَمُ مَا كَانَ مِنِّي فِي دَارِ الدُّنْيَا وَلَا أَعْلَمُ مَا يَكُونُ مِنْكَ فِي دَارِ الْآخِرَةِ قُلْتُ: وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبٌ أَيْ تَعْلَمُ سِرِّي وَمَا انْطَوَى عَلَيْهِ ضَمِيرِي الَّذِي خَلَقْتَهُ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِمَّا اسْتَأْثَرْتَ بِهِ مِنْ غَيْبِكَ وَعِلْمِكَ. (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ وما هو كائن.

[سورة المائدة (5): آية 117]
ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ) يَعْنِي فِي الدُّنْيَا بِالتَّوْحِيدِ. (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) " أَنِ" لَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ مِثْلُ" وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا" «1»] ص: 6]. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ مَا ذَكَرْتُ لَهُمْ إِلَا عِبَادَةَ اللَّهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ أَيْ بِأَنِ اعبدوا الله وضم النون أولى لأنهم يستثقلون كَسْرَةً بَعْدَهَا ضَمَّةٌ وَالْكَسْرُ جَائِزٌ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) أَيْ حَفِيظًا بِمَا أَمَرْتَهُمْ. (مَا دُمْتُ فِيهِمْ) " مَا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْ وَقْتَ دَوَامِي فِيهِمْ. (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجل توفاه أَنْ يَرْفَعَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَظَاهَرَتْ بِرَفْعِهِ وَأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ حَيٌّ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ وَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَإِنَّمَا المعنى

إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)

فَلَمَّا رَفَعْتَنِي إِلَى السَّمَاءِ. قَالَ الْحَسَنُ: الْوَفَاةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: وَفَاةُ الْمَوْتِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها" «1»] الزمر: 42] يَعْنِي وَقْتَ انْقِضَاءِ أَجَلِهَا. وَوَفَاةَ النَّوْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ" «2»] الانعام: 60] يَعْنِي الَّذِي يُنِيمُكُمْ. وَوَفَاةَ الرَّفْعِ قَالَ اللَّهُ تعالى:" يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ" «3»] آل عمران: 55].] وَقَوْلُهُ [«4» " كُنْتَ أَنْتَ"] " أَنْتَ هُنَا" [«5» تَوْكِيدُ" الرَّقِيبَ" خَبَرُ" كُنْتُ" وَمَعْنَاهُ الْحَافِظُ عَلَيْهِمْ وَالْعَالِمُ بِهِمْ وَالشَّاهِدُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، وَأَصْلُهُ الْمُرَاقَبَةُ أَيْ الْمُرَاعَاةُ وَمِنْهُ الْمَرْقَبَةُ «6» لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ الرَّقِيبِ مِنْ علو المكان. (وأنت على كل شي شَهِيدٌ) أَيْ مِنْ مَقَالَتِي وَمَقَالَتِهِمْ وَقِيلَ: عَلَى مَنْ عَصَى وَأَطَاعَ، خَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ [حُفَاةً] «7» عُرَاةً غُرْلًا «8» " كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ"] الأنبياء: 104] أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلَا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ:" وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" قَالَ: فَيُقَالُ لِي إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا] مدبرين [«9» مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم).

[سورة المائدة (5): آية 118]
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ" شَرْطٌ وَجَوَابُهُ" وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" مِثْلُهُ. رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ «10»، وَالْآيَةُ:" إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".
__________
(1). راجع ج 15 ص 260.
(2). راجع ج 7 ص 5.
(3). راجع ج 4 ص 99.
(4). من ك. [ ..... ]
(5). من ك.
(6). في الأصول: الرقبة. والمثبت هو اللغة.
(7). الزيادة عن صحيح مسلم.
(8). غرل (جمع أغرل) أي غير مختونين والمراد- والله أعلم- إنهم يحشرون كما خلقوا لا شي معهم ولا ينقص منهم شي بل يتم لهم كل ما نقص منهم. (هامش مسلم).
(9). من ك وهـ وب وع.
(10). أي يقرأ بآية يرددها في صلاته حتى أصبح.

[سورة النساء (4): آية 159]
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159)
قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: الْمَعْنَى لَيُؤْمِنَنَّ بِالْمَسِيحِ" قَبْلَ مَوْتِهِ" أَيِ الْكِتَابِيِّ، فَالْهَاءُ الْأُولَى عَائِدَةٌ عَلَى عِيسَى، وَالثَّانِيةُ عَلَى الْكِتَابِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ أحد من أهل الكتاب


نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)

وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى الضِّيَاءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ:" سَوْدَاوَانِ" قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا مُظْلِمَتَانِ، فَنَفَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:" بَيْنَهُمَا شَرْقٌ" وَيَعْنِي بِكَوْنِهِمَا سَوْدَاوَانِ أَيْ مِنْ كَثَافَتِهِمَا الَّتِي بِسَبَبِهَا حَالَتَا بَيْنَ مَنْ تَحْتِهِمَا وَبَيْنَ حَرَارَةِ الشَّمْسِ وَشِدَّةِ اللَّهَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ- صَدْرُ هَذِهِ السُّورَةِ نَزَلَ بِسَبَبِ وَفْدِ نَجْرَانَ فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عن محمد ابن جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانُوا نَصَارَى وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة فِي سِتِّينَ رَاكِبًا، فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَيْهِمْ يَرْجِعُ أَمْرُهُمْ: الْعَاقِبُ «1» أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو آرَائِهِمْ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسَّيِّدُ ثِمَالُهُمْ «2» وَصَاحِبُ مُجْتَمَعِهِمْ وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَحَدُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أُسْقُفُّهُمْ وَعَالِمُهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِثْرَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ «3» جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهَمْ جَمَالًا وَجَلَالَةً. وَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا فَصَلَّوْا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَشْرِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" دَعُوهُمْ". ثُمَّ أَقَامُوا بِهَا أَيَّامًا يُنَاظِرُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِيسَى وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالٍ شنيعة مضطربة، ورسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَنَزَلَ فِيهِمْ صَدْرُ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى نَيِّفٍ وَثَمَانِينَ آيَةً، إِلَى أَنْ آلَ أَمْرُهُمْ إِلَى أَنْ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ «4»، حَسْبَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي سِيرَةِ ابْنِ إسحاق «5» وغيره.

[سورة آل عمران (3): الآيات 3 الى 4]
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)
__________
(1). السيد والعاقب هما من رؤسائهم وأصحاب مراتبهم، والعاقب يتلو السيد.
(2). الثمال (بالكسر). الملجأ والغياث والمطعم في الشدة.
(3). الحبرات (بكسر الحاء وفتح الباء جمع حيرة): ضرب من الثياب اليمانية.
(4). في الأصول: الابتهال، والصواب ما أثبت، باهل القوم بعضهم بعضا وتباهلوا وتبهلوا: تلاعنوا. والمباهلة: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شي فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا.
(5). راجع سيرة ابن هشام ص 401 طبع أور با


تفسير القران لابن ابي زمنين

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك ورافعك إِلَيّ} قَالَ السّديّ: معنى {متوفيك}: قابضك من بَين بني إِسْرَائِيل {ورافعك إِلَيّ} فِي السَّمَاء.
قَالَ مُحَمَّد: تَقول: توفيت [الْعدَد] واستوفيته؛ بِمَعْنى: قَبضته. {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} فِي النَّصْر، وَفِي الْحجَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَالَّذين اتَّبعُوهُ مُحَمَّد وَأهل دينه؛ اتبعُوا دين عيسي وَصَدقُوا بِهِ.



[سورة آل عمران (3): آية 55]
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ اختلفوا في معنى التوفي هنا على طريقين: فالطريق الأول أن الآية على ظاهرها من غير تقديم ولا تأخير وذكروا في معناها وجوها: الأول: معناه أني قابضك ورافعك إلي من غير موت من قولهم توفيت الشيء واستوفيته إذا أخذته وقبضته تاما، والمقصود منه هنا أن لا يصل أعداؤه من اليهود إليه بقتل ولا غيره. الوجه الثاني: أن المراد بالتوفي النوم ومنه قوله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والتي لم تمت في منامها فجعل النوم وفاة، وكان عيسى قد نام فرفعه الله وهو نائم لئلا يلحقه خوف، فمعنى الآية أني منيمك ورافعك إلى الوجه الثالث أن المراد بالتوفي حقيقة الموت، قال ابن عباس: معناه أني مميتك قال وهب بن منبه: إن الله توفى عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم أحياه ثم رفعه إليه وقيل: إن النصارى يزعمون أن الله توفاه سبع ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه إليه. الوجه الرابع: أن الواو في قوله ورافعك إلي لا تفيد الترتيب والآية تدل على أن الله تعالى يفعل به ما ذكر فأما كيف يفعل؟ ومتى يفعل؟ فالأمر فيه موقوف على

فتح البيان في مقائد القران


إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)

(إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ) قال الفراء إن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره إني رافعك ومطهرك بعد إنزالك من السماء، قال أبو زيد: متوفيك قابضك، وقيل الكلام على حاله من غير ادعاء تقديم وتأخير فيه، والمعنى كما قال في الكشاف: مستوفى أجلك، ومعناه أني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخر أجلك إلى أجل كتبته لك ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم، عن مطر الوراق قال متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت.
وإنما احتاج المفسرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر لأن الصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة كما رجحه كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير الطبرى.
ووجه ذلك أنه قد صح في الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزوله وقتله الدجال، وقيل إن الله سبحانه توفاه ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلى السماء وفيه ضعف، وقيل المراد بالوفاة هنا النوم ومثله (هو الذي يتوفاكم بالليل) أي ينيمكم وبه قال كثيرون.
وقيل الواو في قوله (ورافعك) لا تفيد الترتيب لأنها لمطلق الجمع فلا فرق بين التقديم والتأخير قاله أبو البقاء، وقال أبو بكر الواسطي: المعنى إني متوفيك عن شهواتك وحظوظ نفسك، وهذا بالتحريف أشبه منه بالتفسير.


وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)
(وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم) هو من جملة جناياتهم، وذنوبهم لأنهم كذبوا بأنهم قتلوه وافتخروا بقتله، قال أبو حيان: لم نعلم كيفية القتل ولا من ألقي عليه الشَّبه ولم يصح بذلك حديث.
(رسول الله) ذكروه بالرسالة استهزاء لأنهم ينكرونها ولا يعترفون بأنه نبي، أو هذا من كلامه تعالى لمدحه وتنزيهه عن مغالاتهم فيه، وما ادعوه من أنهم قتلوه قد اشتمل على بيان صفته وإيضاح حقيقته الإنجيل وما فيه هو من تحريف النصارى أبعدهم الله فقد كذبوا وصدق الله القائل في كتابه العزيز:
(وما قتلوه وما صلبوه) جملة حالية (ولكن شبّه لهم) أي ألقي شبه عيسى على غيره حتى قتل وصلب وقيل لم يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذي قتلوه وهم شاكون فيه.
أخرج سعيد بن منصور والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردوية عن ابن عباس قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلاً من الحواريين فخرج عليهم من عين في النبت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي إثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيّكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي فقام شاب من أحدثهم سِنّاً فقال له: اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا فقال: أنت ذاك فألقي عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء.

بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)

(بل رفعه الله اليه) أي إلى موضع لا يجري فيه حكم غير الله كما في الفخر، وهذا الوضع هو السماء الثالثة كما في حديث الجامع الصغير، وفي بعض المعاريج أنه في السماء الثانية، رد عليهم وإثبات لما هو الصحيح، وقد تقدم ذكر رفعه عليه السلام في آل عمران بما فيه كفاية (وكان الله عزيزاً حكيماً) في إنجاء عيسى وتخليصه من اليهود وانتقامه منهم ورفعه إليه.

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)

(وإن من أهل الكتاب) أي اليهود والنصارى، والمعنى وما منهم أحد (إلا) والله (ليؤمننّ) والضمير في (به) راجع إلى عيسى، وبه قال ابن عباس وأكثر المفسرين، وفي (قبل موته) راجع إلى ما دل عليه الكلام وهو لفظ أحد المقدر أو الكتابي المدلول عليه بأهل الكتاب، وقال ابن عباس: قبل موت عيسى، وعنه أيضاً قال: قبل موت اليهودي، وفيه دليل على أنه لا يموت يهودي ولا نصراني إلا وقد آمن بالمسيح.
وقيل كلا الضميرين لعيسى، والمعنى أنه لا يموت عيسى حتى يؤمن به كل كتابي في عصره، وقيل الضمير الأول لله وقيل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبه قال عكرمة وهذا القول لا وجه له لأنه لم يجر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر قبل هذه الآية حتى يرجع الضمير إليه.
وقد اختار كون الضميرين لعيسى ابن جرير، وبه قال جماعة من السلف وهو الظاهر لأنه تقدم ذكر عيسى فكان عود الضمير إليه أولى، والمراد بالإيمان به حين يعاين ملك الموت فلا ينفعه إيمان.




وقوله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (55)
اختلف فيه: قيل: هو على التقديم والتأخير: ورافعك إليَّ، ثم متوفيك بعد نزولك من السماء، ولكن هو التقديم والتأخير، ولم يكن في الذكر فهو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.