فضائيات تفسد فى الارض
للشيخ جمال المراكبي
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن سار
على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين، وعلى رسل الله أجمعين.
أما بعد.. فلا يزال حديثنا موصولاً عن هذه الفرقة التي ظهرت في بداية القرن
العشرين الميلادي في قاديان من بلاد الهند، وزعم مؤسسها أنه المهدي المنتظر
والمسيح الموعود، وقد أطلت علينا إطلالة جديدة وخطيرة من خلال قناة تليفزيونية
تُعرف بـMTA3 العربية.
وكما وعدت إخواني القراء في افتتاحية العدد الماضي، لن انطلق في التحذير من هذه
القناة من منطلق ما حكم به علماء الملة من حكم بتكفير القاديانية أو الأحمدية،
كما يطلقون هم على جماعتهم، ولكني سأنطلق من منطلق واحد هو ما يبثونه ويعرضونه
على هذه القناة، وما يبثونه على موقعهم على شبكة الانترنت المسمى بالموقع
الرسمي للأحمدية. وقد ذكرت في مقالي السابق أنهم يعلنون الإيمان بالله الفرد الصمد الأحد،
ويؤمنون بكتاب الله القرآن وبرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، إلا أنهم يناقشون
ما جاء في القرآن بطريقة عقلية متحررة أدت إلى إنكار بعض ما ورد فيه من
المعجزات التي أيد الله به أنبياءه ورسله وذكرت أنهم يوافقون النصارى في عقيدة
صلب المسيح إلا أنهم يقولون إنه لم يمت على الصليب بل ظن أعداؤه أنه مات، أما
حواريوه فقد حملوه وعالجوه، وأنه هاجر إلى بلاد الهند لدعوة بني إسرائيل ثم مات
هناك ودفن وقبره عندهم معروف مشهور.
واعترف أنني أخطأت في نقل هذا المعتقد عنهم إذ قلت في العدد الماضي «إلا أنهم
يقولون إنه لم يمت على الصليب بل توفاه الله ورفعه إليه وطهره من الكافرين»
والحقيقة أنهم لا يعترفون أصلاً بعقيدة رفع المسيح ويرون أن الأمة المسلمة قد
أخطأت في فهم الآية الكريمة ورتبت عليها هذه العقيدة الفاسدة خطأً ووهمًاا،
والحق عندهم أن المسيح عليه السلام قد مات وقبر ودفن وأنه يستحيل أن يبعثه الله
في الدنيا بعد موته.
قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء157- 158).
ونلاحظ أنهم خالفوا ظاهر الآية ووافقوا اليهود والنصارى في قصة الصلب، وزعموا
أن قصة الشبيه وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ من خيال بعض الجاهلين، وأن معنى
شُبِّهَ لَهُمْ أي اشتبه عليهم موته فظنوا أنه مات على الصليب.
أما قوله تعالى وَمَا صَلَبُوهُ فمعناه عندهم أنه لم يمت مصلوبًا وإن كان قد
صُلب وعُلق على الصليب فعلاً.
أما قوله تعالى بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ فليس على ظاهره لأنه يستحيل أن
يصعد بشر إلى السماء حيًا، ويزعمون أن هذه العقيدة الفاسدة في رفع المسيح
وحياته جعلت النصارى يستطيلون على المسلمين.
ومثل هذا التأويل البعيد ما قالوه في كلام المسيح في المهد ووافقوا فيه النصارى
وزعموا أن المسيح لم يتكلم في المهد وإنما تكلم في طفولته حينما بلغ السن التي
يتكلم فيها الناس عادةً، وردوا ظاهر قول الله تعالى: إِذْ قَالَتِ
الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ
اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران 45 - 46).وقوله تعالى: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (المائدة:
110).
ويقول قائلهم إنه كان في سن التمييز سبع سنوات أو أكثر ولكنه كان فصيحًا بليغًا
كما يقولون: الديك الفصيح في البيضة يصيح، هكذا يقولون بالحرف الواحد.
ولا أدري هل اختفت مريم بولدها ست سنوات أو أكثر قبل أن تأتي به، أم جاءت به
بعد ولادته كما قال تعالى: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًا (28) فَأَشَارَتْ إلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًا (31) وَبَرًا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي
جَبَّارًا شَقِيًا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًا (مريم: 27 - 32).
لقد زعم القادياني أنه جاء ليجدد للأمة دينها، ثم زعم أنه المهدي المنتظر
والمسيح الموعود، ثم زعم أنه يتلقى الوحي من السماء وأن جبريل يتنزل عليه كما
كان يتنزل على النبيين والمرسلين من قبل، ثم يزعم أنه يؤمن برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
خاتم النبيين.
والذي يؤكد كلامي هذا ذلك النشيد الذي يترنم به المنشد بين البرامج التي تبثها
هذه القناة، فبينما نسمع صوت القارئ يقرأ قول الله تعالى مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب: 40) نسمع
بعدها صوت المنشد المترنم يقول:
في قاديان أتى المهدي جبريل
فعمت الكربات تهليل وترتيل
طوبى لأرض أتى المهدي ساحتها
مجاهدًا سيفه بالحق مصقول
حسامه قلم ورايته
شريعة الله تحرير وتحليل
قد بشر الله في التوراة مقدمه
وجدد الموعد للموعود إنجيل
الأحمدية هدىً للتقى أبدًا
والأحمدية في الظلماء قنديل
الأحمدية ملح الأرض ما بقيت
وإنها في جبين الشمس إكليل
فكيف يتوافق هذا المعتقد الذي يصرح بنبوة هذا القادياني مع الإيمان بأن محمدًا
صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ؟!
يقول قائلهم إن النبوة على قسمين: نبوة تشريعية بمعني أن يأتي النبي الرسول
بشريعة جديدة مثل موسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ، ونبوة غير تشريعية بمعنى أن يأتي
النبي تابعًا لشريعة سابقة مثل المسيح عيسى ابن مريم وأنبياء بني إسرائيل حيث
كانوا تابعين لشريعة موسى عليه السلام، وكذلك فالقادياني نبي غير تشريعي تابع
لمحمد صلى الله عليه وسلم في شريعته وهذا ما يصرحون به بغير خفاء ولا مداراة، ويزعمون أن لفظة
خاتم النبيين في آية الأحزاب لا تعني بالضرورة آخر النبيين، بل تعني أنه صلى الله عليه وسلم أفضل
النبيين، كما يقال خاتمة الحفاظ والمحققين، ولا يعني هذا بالضرورة انعدام
الحفاظ والمحققين بعد ذلك.
ولكن السخافة الكبرى أن يحاول منظرو القاديانية التدليل على نبوة القادياني
بإشارات من القرآن الكريم فقال بعضهم: قوله تعالى أَفَمَن كَانَ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (هود: 17) فمن كان على بينة من ربه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والشاهد الذي يتلوه أي يأتي
بعده هو النبي القادياني فلا تك في مرية منه أي لا تشك في نبوته إنه الحق من
ربك. فهل هناك تفسير أسخف من هذا؟! قالوا: وفي آية الأحزاب وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
(الأحزاب: 7).
فالله تعالى قد اخذ الميثاق من النبيين ومن محمد صلى الله عليه وسلم ، قالوا: ثم أخبرنا في سورة
آل عمران أنه سبحانه أخذ الميثاق على النبيين أن يؤمنوا بالنبي القادياني وذلك
في قوله تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران: 82).
والآية واضحة الدلالة ولا تنطبق إلا على محمد رسول الله وخاتم النبيين، حيث أخذ
الله ميثاق النبيين أن يؤمنوا به ويبشروا به أقوامهم، ولكن منظري القاديانية
يجعلونها في نبيهم المزعوم، وينسون أنهم زعموا أنه نبي ولم يدعوا أنه رسول جاء
برسالة من رب العالمين.
ولو تتبعنا سخافاتهم في تحريف القرآن لطال المقام جدًا، ولكن كيف يتعامل منظرو
القاديانية مع الأحاديث الصحيحة التي تؤكد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده مثل قوله صلى الله عليه وسلم
فُضلت على الأنبياء بست ذكر منها «وختم بي النبيون» ولا يمكن أن يكون معناها
وفضلت على النبيين كما زعموا في تحريف الآية لأن قوله تعالى وَلَكِن رَّسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ إن زعموا أن معناها أفضل النبيين وليس آخرهم،
فإن هذا المعنى لا يستقيم مع هذا الحديث
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب عند خروجه لغزوة تبوك: أما ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. متفق عليه.
إنهم يتعاملون مع الأحاديث بمعيار الهوى والغرض فإذا وافق الحديث أهواءهم
انتصروا له وجعلوا دينهم يدور عليه كما فعلوا في حديث «إن الله يبعث لهذه الأمة
على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وإذا خالف الحديث أهواءهم ومنهاجهم
الباطل ردوه ولو كان في أعلى درجات الصحة وقالوا حسبنا القرآن فما وافق القرآن
قبلناه، وما خالف القرآن رددناه ويجعلون فهمهم وأهواءهم الحكم في الموافقة
والمخالفة ثم إنهم يسعون لتحريف الأحاديث كما فعلو مع القرآن حيث يحرفون معاني
الآيات بما يتماشى مع عقائدهم ولأجل هذا قالوا: إن أهل الإسلام مجمعون على نزول
المسيح في آخر الزمان، والمسيح نبي ورسول فإما أن يقولوا بوجود نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم
وهو ما يعتقدونه في نزول المسيح، وإما أن ينفوا نزول المسيح في آخر الزمان وهذا
ما لم يقولوا به، إذن فالمسيح إذا كان سيحكم في آخر الزمان بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم
باعتباره نبيًا تابعًا، فلماذا تنكرون نبوة القادياني باعتباره تابعًا لشريعة
محمد صلى الله عليه وسلم ويزعمون أن عائشة قالت: قولوا خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده.
ويقولون إن الجماعة الأحمدية لم تنفرد بهذا الاعتقاد وهو وجود أنبياء بعد محمد
صلى الله عليه وسلم ، بل قال ذلك ابن عربي الطائي، والحكيم الترمذي وغيرهما.
والذي لا شك فيه أن لابن عربي، وللحكيم الترمذي انحرافات عقدية خالفا فيها
إجماع الأمة، فهما شر سلف لشر خلف.
ثم يعرضون هذا التساؤل: إذا كان القرآن محفوظًا فما فائدة بعثة نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ،
ويردون: إذا كان القرآن محفوظًا، فإن تفسيرات القرآن غير محفوظة، قد شابها
أغاليط كثيرة لأجل هذا جاء نبيهم المزعوم ليبين الحق منها، ويضرب على الباطل،
ويرد كيد المستعمرين النصارى الذين احتلوا بلاد المسلمين وحاولوا إفساد
عقائدهم.
وأخيرًا لماذا زعم القادياني أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود قبل أن يدعي
النبوة، وهل ختمت النبوة به أم هي موجودة في أتباعه، ولماذا حكم علماء المسلمين
بكفر القادياني ومن تابعه ؟
والجواب على هذا في اللقاء القادم بإذن الله .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.